ذكر ابن جرير في “تاريخه”: أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان وهو فيما قيل: الضحاك الملك المشهور، الذي يقال: إنه ملك ألف سنة، وكان في غاية الغشم والظلم.
وذكر بعضهم: أنه من بني راسب، الذي بعث إليهم نوح عليه السلام، وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا. وذكروا أنه طلع نجم أخفى ضوء الشمس والقمر، فهاك ذلك أهل الزمان وفزع النمرود. فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه. فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء، وأن يقتل المولودون من ذلك الحين. فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين فحماه الله عز وجل وصانه من كيد الفجار، شبَّ شباباً باهراً، وأنبته الله نباتاً حسناً، حتى كان من أمره ما تقدم.
وكان مولده بالسوس. وقيل: ببابل، وقيل: بالسواد من ناحية كُوْثى وتقدم عن ابن عبَّاس: أنه ولد ببرزة شرقي دمشق، فلما أهلك الله نمرود على يديه، هاجر إلى حران، ثم إلى أرض الشام، وأقام ببلاد إيليا كما ذكرنا، وولد له إسماعيل وإسحاق، وماتت سارة قبله بقرية حبرون، التي في أرض كنعان، ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة، فيما ذكر أهل الكتاب، فحزن عليها إبراهيم عليه السلام ورثاها رحمها الله، واشترى من رجل من بني حث، يقال له عفرون بن صخر مغارة بأربع مائة مثقال، ودفن فيها سارة هنالك.
قالوا: ثم خطب إبراهيم على ابنه إسحاق، فزوّجه رِفْقَاً بنت بتوئيل بن ناحور بن تارح، وبعث مولاه فحملها من بلادها، ومعها مرضعتها، وجواريها على الإبل.
قالوا: ثم تزوج إبراهيم عليه السلام قنطورا، فولدت له زمران، ويقشان، ومادان، ومدين، وشياق، وشوح. وذكروا: ما ولد كل واحد من هؤلاء أولاد قنطورا.
وقد روى ابن عساكر عن غير واحد من السلف، عن أخبار أهل الكتاب، في صفة مجيء ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام أخباراً كثيرة الله أعلم بصحتها. وقد قيل: إنه مات فجأة، وكذا داود وسليمان، والذي ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف ذلك.
قالوا: ثم مرض إبراهيم عليه السلام، ومات عن مائة وخمس وسبعين. وقيل وتسعين سنة، ودفن في المغارة المذكورة التي كانت بحبرون الحيثي، عند امرأته سارة التي في مزرعة عفرون الحيثي، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وقد ورد ما يدل على أنه عاش مائتي سنة، كما قاله ابن الكلبي.
فقال أبو حاتم بن حبان في “صحيحه”: أنبأنا المفضل بن محمد الجندي بمكة، حَدَّثَنا علي بن زياد اللخمي، حَدَّثَنا أبو قرة، عن ابن جُرَيْج، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المُسَّيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال : “اختتن إبراهيم بالقدوم، وهو ابن عشرين، ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة”.
وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق عكرمة بن إبراهيم وجعفر بن عون العمري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن أبي هريرة موقوفاً.
ثم قال ابن حبان: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن رفع هذا الخبر وهم: أخبرنا مُحَمْد بن عبد الله بن الجنيد، حَدَّثَنا قتية بن سعيد، حَدَّثَنا الليث، عن ابن عجلان، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اختتن إبراهيم حين بلغ عشرين ومائة سنة، وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، واختتن بقدوم”.
وقد رواه الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم روى ابن حبان عن عبد الرزاق، أنه قال: القدوم اسم القرية.
قلت: الذي في الصحيح أنه اختتن. وقد أتت عليه ثمانون سنة.
وفي رواية: وهو ابن ثمانين سنة. وليس فيهما تعرض لما عاش بعد ذلك والله أعلم.
وقال مُحَمْد بن إسماعيل الحساني الواسطي: زاد في تفسير وكيع عنه فيما ذكره من الزيادات، حَدَّثَنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المُسَّيب، عن أبي هريرة، قال: كان إبراهيم أول من تسرول، وأول من فرق، وأول من استحد، وأول من اختتن بالقدوم، وهو ابن عشرين ومائة سنة. وعاش بعد ذلك ثمانين سنة. وأول من قرى الضيف، وأول من شابَ.
هكذا رواه موقوفاً. وهو أشبه بالمرفوع خلافاً لابن حبان والله أعلم.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد بن المُسَّيب قال: كان إبراهيم أول من أضاف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قصَّ شاربه، وأول الناس رأى الشيب، فقال: يا ربّ ما هذا؟ فقال الله: ” وقار”. فقال: يا ربّ زدني وقاراً.
وزاد غيرهما: وأوّل من قصَّ شاربه، وأول من استحدّ، وأوّل من لبس السراويل.
فقبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولد ولده يعقوب في المربعة التي بناها سليمان بن داود عليه السلام ببلد حبرون وهو البلد المعروف بالخليل اليوم. وهذا متلقى بالتواتر أمة بعد أمة، وجيل بعد جيل، من زمن بني إسرائيل وإلى زماننا هذا أن قبره بالمربعة تحقيقاً. فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن معصوم، فينبغي أن تراعى تلك المحلة، وأن تحترم احترام مثلها، وأن تبجل وأن تجل أن يداس في أرجائها، خشية أن يكون قبر الخليل، أو أحد أولاد الأنبياء عليهم السلام تحتها.