يعتبر مص الإصبع حركة لا إرادية يقوم بها الأطفال منذ فترة الحمل، وهو ما يمكن إثباته بواسطة الموجات فوق الصوتية. علما بأن الرضيع يحافظ على هذه العادة خلال الأشهر أو حتى السنوات الأولى من حياته.
وترتبط حركة مص الإصبع أساسا بسلوك معتاد وفيسيولوجي عند الرضع والأطفال الصغار. وفي بعض الأحيان، يتم التقاط هذه الحركة خلال الفحص بالموجات فوق الصوتية لرحم الأم.
وكان دونالد وينيكوت طبيب الأطفال والمحلل والأخصائي النفسي للأطفال هو أول من قام بدراسة هذا السلوك. ووصف الكائن الرمزي الأول بالنسبة للرضيع بالكائن الانتقالي الذي يعمل كوسيط رمزي لتعويض وجود الأم أثناء غيابها.
وهذا الكائن الانتقالي يظهر عندما يبدأ الطفل والأم في الانفصال عن بعضهما البعض، ويحتل فضاء مؤقتا أو يلعب دور الوسيط بينهما. ويرمز هذا الشيء المادي -الذي يمكن أن يكون الإبهام أو اللهاية- إلى غياب الأم، لأنه يمنح الطفل الأمن والثقة التي يحتاجها. وهذا وفقا للكاتبة أنا كاماريرو، في تقرير لها نشرته صحيفة “البايس” الإسبانية.
من جهة أخرى، يقول خورخي مارتينيز بيريز منسق التدريب في مستشفى الأطفال الجامعي نينو خيسوس في مدريد إن عادة مص الإصبع فعل لا إرادي يبدأ الطفل القيام به في رحم أمه.
وظيفة مغذية
ويؤكد مارتينيز أن المص له وظيفة مغذية في البداية لأنه يضمن تغذيته. لكنه يوفر للطفل أيضا الراحة والمتعة والأمان، وهو ما يمكن تسميته بالمص غير المغذي. وخير دليل على ذلك أن هناك بعض الأطفال الذين يقومون بهذه الحركة بداية المرحلة الدراسية أو عند قدوم طفل جديد إلى العائلة، أو الانفصال الأبوي.
ومص الإصبع طبيعي خلال المراحل الأولى من حياة الطفل، كما أن حوالي 80% من الأطفال يمصون إبهامهم خلال مرحلة طفولتهم.
وفي معظم الحالات، يبدأ الطفل مص إصبعه فور ولادته. وفي وقت لاحق، أي في سن ثلاثين شهرا أو ثلاث سنوات تختفي هذه العادة تدريجيا.
وتشير الأبحاث إلى أن حوالي 6% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 11 سنة يحافظون على عادة مص الأصابع بعد بلوغ الأربع سنوات. وبحسب الخبراء، فإن هذه الحالة غالبا ما تكون غير طبيعية، وهي من بين السلوكيات التي يجب العمل على إعادة توجيهها.
يتحدث خوسيه لويس بيدريرا طبيب الأمراض النفسية بمستشفى لا لوز عن مراحل نمو العلاقة التي تربط الطفل بالعالم الخارجي، مما يسمح له ببلوغ مستويات أعلى من الاستقلالية الشخصية والاتصال والسيطرة. ويحدث هذا التطور خاصة بين سن الثلاثة وأربع أو خمس سنوات.
وقال الطبيب “تحدثنا عن عادة مص الإبهام، لكن لم نشر إلى أن هناك بعض الأطفال الذين يضعون الدب المحشو أو غطاء السرير في أفواههم. وبالتالي، فإن كل هذه الأشياء تنتمي إلى ما يسمى الكائنات الانتقالية التي تحدّث عنها وينيكوت”.
ويؤكد أنه لا داعي للقلق بشأن السن أو النمو العقلي للطفل، لكن إذا استمر الطفل في مص إصبعه فعندها يجب التفكير في حل. وأضاف “مص الطفل لإبهامه في لحظة العزلة في الليل، أو للنوم أو في لحظة معينة، ليس أمرا مثيرا للقلق، لكن إذا أصبح يمتص إبهامه أو اللهاية عند مواجهة أي وضعية جديدة، فالأمر في هذه الحالة قد يسترعي الانتباه”.
مشاكل
يُذكر أن مص الإبهام لفترة مطولة يمكن أن يتسبب في مشاكل مختلفة، يكون البعض منها ذا طابع عاطفي، إذ يؤكد بيدريرا أنه “في حال استمر الطفل في مص إصبعه إلى حين بلوغه سن السابعة أو الثامنة، فإن التنمية العاطفية وعلاقاته في هذه الحالة لا تتوافق مع سنه”.
كما يؤكد أن مص الإصبع ستكون له عواقب جسدية واضحة، إذ لن تؤدي هذه العادة فقط لمشاكل على مستوى الفك السفلي -مثل تشوه الحنك والأسنان خلال مرحلة ظهور الأسنان اللبنية قبل تجاوز سن السادسة أو مشاكل تقويمية كبيرة خلال فترة تغيير الأسنان- بل قد يشمل الأمر مشاكل على مستوى نطق الكلمات.
ولمساعدة الطفل تدريجيا، قدم الخبير خورخي مارتينيز بيريز سلسلة من التوصيات، فأفاد أنه في حال استمر الطفل في مص اصبعه لمدة تتجاوز السنتين، فقد يكون ذلك بدافع الملل أو النوم أو الخوف. لكن، إذا تمكنا من تحديد السبب وفي أي ظرف، فباستطاعتنا آنذاك منعه من القيام بذلك. في المقابل، إذا كان طفلك يمص إصبعه دون سبب واضح، فيمكنك استخدام نوع من طلاء الأظافر ذي المذاق المر بهدف جعله يتخلى عن هذه العادة.
وفي الختام، أشار مارتينيز إلى أنه بناء على درجة التطور المعرفي للطفل، يجب أن نشجعه على التخلي عن هذه العادة ونشرح له التأثيرات المحتملة مع ضرورة تجنب إظهار غضبك تجاهه والتزام الهدوء، لأن إجباره على التخلي عن مص اصبعه قد يعيق التوقف عن ذلك.